أثر الكتب و المكتبات القديمة فى العلوم

أثر الكتب و المكتبات القديمة فى العلوم

أرتبط التاريخ بالكتابة فكانت تحسب الحضارات ببدأها للكتابة . فنرى فى مصر مثلا ابتدت حضارتها سنة 4242 ق.م و تكونت أول حكومة مركزية فى تاريخ مصر .
و قد عرفنا ذلك من الكتابات التى تركها المصريون القدماء فى أرض مصر . فدائما ما نبدأ تاريخ حضارة معينة من تاريخ كتاباتها .

فمن هنا كان للحضارات أهتماماً بالكتابة و الكتب و حفظها و صيانتها , فظهر تخزين الكتب و المدونات منذ القدم .

فنجد مثلاً قد ترك المصريون القدماء الكثير من البرديات التى كانت تحفظ أيامهم فى مكتبات ملحقة بمعابدهم .

بردية ادوين اسميث الطبية

تعد بردية ( ادوين اسميث ) على التقدم الطبى الذى وصله القدماء المصريون . ففيها تشخيص و علاج للأمراض مثل : تشخيص أمراض كسرطان الثدى و و تشخيص و علاج الاصابات بالرأس .

و هذه البردية تعد من أولى الاعمال الطبية البارزة فى التاريخ.

مكتبة الاسكندرية
ان من اهم مكتبات العالم القديم المعروفة تلك المكتبة التى شيدت بالإسكندرية إبان العهد البطلمى , و قد احتوت على نفائس الكتب من العالم القديم .

رسم تخيلى لمكتبة الإسكندرية القديمة

فظلت تلك المكتبة طيلة العصر البطلمى منارة فى العالم الهلينستى الذى ربط الشرق بالغرب عن طريق مزج الثقافات ببعضها البعض فى تلك الفترة كما حدث فى الحضارة الفرعونية و الاغريقية فى مصر .
حدثت هذه العولمة الثقافية بشكل قد يكون فريدا لأول مرة فى التاريخ فكان يأتى الدارسون من كل مكان بالعالم الى الإسكندرية للدراسة . و كان لزاما على كل دارس ان يترك نسخة من مؤلفاته فى المكتبة . فامتلأت المكتبة بخبايا و علوم العالم القديم من بعد الاسكندر المقدونى الملقب بالكبير .
ظلت هذه المعارف فى ازدياد حتى حدث حريق الاسكندرية الكبير المعروف الذى دمر المكتبة و ما فيها من نفائس فى العلوم و ما تحويه من معارف . و قد اختلف العلماء فى اى عصر تم حرقها الا ان اقرب الروايات الى الصواب انها حرقت في عام 48 ق.م ايام يوليوس قيصر . و ليس كما يقال ان من احرقها الصحابى ” عمرو بن العاص ” – رضى الله عنه – فهذا اشبه بالأسطورة لأنه لم يذكر اصلا شئ عن المكتبة فى كتب المؤرخين الأوائل و لم يكن ليتحرج احد من المسلمين فى عصر قوتهم انذاك ان يقولوا انهم احرقوها و لكنهم لم يفعلوا و تم الافتراء عليهم و بشهادة الغرب قبل المسلمين مثلما قال جوستاف لوبون .

المكتبات فى العصر الاسلامى
و قد ظهرت العديد من المكتبات فيما بعد . فببلوغ التاريخ مرحلة العصر الاسلامى ظهر لأول مرة الاهتمام بالترجمة و الاطلاع على الكتب . فبدأت حركة الترجمة بشكل موسع ايام “خالد بن يزيد بن معاوية” .
فمهد الأمويون ما حدث فى الخلافة العباسية من حركة علمية ضخمة . قامت على جلب الكتب الأجنبية من كتب اغريق و الرومان و ما تبقى من العالم القديم بالأخص ما كان فى الامبراطورية البيزنطية من كتب . غير ان تصنيف العلوم و ترتيبها بدأ أيام بنى أمية .

مكتبة بيت الحكمة :
قد ظهر حجم العمل التمهيدى لما فعله بنو أمية فى التمهيد لما حدث فى العصر العباسى . و ظهر فى العصر العباسى الخليفة المأمون الذى قاد حركة علمية ضخمة عرفت عند الغرب بالعصر الذهبى للاسلام .
كان الخليفة المأمون مهتما بالعلم و العلماء مثل بقية الخلفاء العباسيين فقد بدأ الأهتمام بالعلم فى بداية العصر العباسى على يد ابو جعفر المنصور . الا ان الخليفة المأمون ازدهر على يديه العصر الذهبى لبيت الحكمة بعدما تم تأسيس المكتب ايام الخليفة هارون الرشيد فكانت أكبر مكتبات العالم الاسلامى.

رسم ليحيى الواسطى

قد كانت المكتبة فى البداية مكانا لحفظ الكتب المترجمة من ايام الخليفة ابو جعفر المنصور . فعندما ترجمت الكتب للخليفة ابو جعفر المنصور تم تخصيص اماكن فى قصر الخلافة لها و بمرور الوقت زادت هذه الكتب حتى أمر الخليفة هارون الرشيد بعمل مكتبة لحفظها . و قد كان لكثرة هذه الكتب أقسام لكل منها من يقوم بالإشراف عليها .

حتى جاء عصر الخليفة المأمون المهتم بالعلم و العلماء و ارسل وفودا الى الدولة البيزنطية يطلب من الامبراطور كتب بيزنطية قديمة فأجاب بعد امتناع فأرسل الخليفة ” يوحنا بن ماسويه ” و “الحجاج بن مطر” و “يحيى بن البطريق” و سلمت الكتب الى بيت الحكمة و أمر الخليفة بترجمة الكتب للعربية فتم ترجمتها .

غير ان الكتب منها ما جاء بالمعاهدات مثل ان يشترط الخليفة للصلج مثلا ان يتم اعطاءه بعض المكتبات من القسطنطينية . ويروى عن المأمون أنه كان يطلب من المغلوبين والمهزومين الروم المخطوطات الإغريقية في مقابل توقيع معاهدات سلام أو الإفراج عن الأسرى.

فبالتالى ظهر من استفاد من كل ذلك و أدخل على هذه العلوم علوما جديدة و ابتكارات فنشطت حركة التأليف مع الترجمة و كانت بيت الحكمة تحولت من مجرد خزانة للكتب القديمة إلى بيت للعلم ومركزاً للبحث العلمي والترجمة والتأليف والنسخ والتجليد، وأصبح لبيت الحكمة دوائر علمية متنوعة لكل منها علماؤها ومترجموها ومشرفون يتولون أمورها المختلفة .
ظهر ببيت الحكمة أمين مكتبة مشهور جدا و هو ” محمد بن موسى الخوارزمى” من ألف كتاب ” كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة ” و هو أساس علم الجبر . و يعد هذا الكتاب من اهم مؤلفات الخوارزمى و يعتبر روح الرياضيات الحديثة التى نتج عنها فى النهاية العلوم الحاسوبية و ما افرزته من تقدم تكنولوجى هذه الأيام .

Image-Al-Kitāb al-muḫtaṣar fī ḥisāb al-ğabr wa-l-muqābala.jpg

كان احد اهم اقسام الكتاب موضوع المواريث المأخوذ احكامه من القران الكريم . و كان قد وضع حلول لمشاكل المواريث فى كتابه رياضيا لمن لم يفهمها ما اظهر ان القران الكريم هو اساس العلوم لمن لم يعلم .أو يجادل فى ذلك .

و كان من نتاج اعماله ” العمل بالأسطرلاب “

ذلك الجهاز الذى كان يعد كمبيوتر العالم القديم فهذا الجهاز الذى على اغلب الظن ظهر فى الاسكندرية بمصر البطلمية تم تطويره ايام الحضارة الاسلامية فى العصر العباسى بسبب اسهامات بيت الحكمة من امثال الخوارزمى .

تمثال للخوارزمى بأيران على الأغلب و تشمل الخوازمى من ابتدى علوم الحاسب الحديثة و الأسطلاب حاسبوب العالم القديم الذى ألف فيه كتابا

فكان الأسطرلاب جهاز نموذج ثنائى للقبة السماوية يستخدم فى الأعمال الهندسية المساحية و الأعمال الفلكية و تحديد الاتجاهات و معرفة الوقت فكان من اسهامات بيت الحكمة فيه انهم عرفوا الوقت بسببه ايامها بعد تطويره .
فكنا نعلم فى العالم القديم الوقت مثل اليوم تماما . فكانوا يعرفون الوقت بالنهار بالشمس و بالليل بالنجوم بأستخدام هذا الجهاز .
و قد كان اصل الساعات الحديثة التى نستخدمها اليوم .

ان مظاهر بيت الحكمة فى العالم الحديث هى كثيرة ففى أوروبا فى عصر النهضة تم استخدام ما تبقى من بيت الحكمة بعد خرابها من هولاكو وقت غزو بغداد و انقذ ” نصير الدين الطوسى” العالم الفارسى المعروف ما يقرب من 400 الف مخطوطة و كتاب يعدوا من ذخائر الكتب و من ضخامة العدد لا يعرف بالضبط ما خسره العالم بعد ضياعها .

فكان الطلاب الغربيين و العلماء يترجمون الكتب العربية الى لغاتهم فى تلك الفترة و كانوا يتعلمون اللغة العربية خصيصا للدراسة من هذه الكتب . بل انهم بذلوا الغالى و النفيس فى سبيل ذلك حتى انهم قالوا انها فرض عين عليهم . و كانت بعض الكتب الاغريقية و اللاتينية الأصلية قد ضاعت و لم يبقى ايام عصر النهضة الأوروبية الا الكتب العربية المترجمة منها . فهنا ظهرت الفائدة الكبيرة للغرب من هذه الكتب وقت اشد الحاجه اليها بعد خروجهم من ظلمات العصور الوسطى .

و قد كان بالأندلس الكثير من المكتبات و الكتب مثل المكتبة التى انشأها عبد الرحمن الداخل ويصف لنا العلامة بن حزم (ت456هـ) ضخامة المكتبة الأموية، بحديثه الذي أجراه مع القائم بأعمالها في عهد الحكم المستنصر ويُدعى تليد الفتى، قال ابن حزم: “وأخبرني تليد الفتى -وكان على خزانة العلوم بقصر بني مروان بالأندلس- أن عدد الفهارس التي كانت فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة، في كل فهرسة خمسون ورقة، ليس فيها إلا ذكر أسماء الدواوين فقط”. أي أن عدد فهارس المكتبة الأموية كان 2200 ورقة فيها أسماء المؤلفات فقط، وهذا دليل على ضخامة تلك المكتبة الملكية التي يمكن تقدير عدد الكتب بها بأكثر من 100 ألف كتاب.

و نحزن عندما يصلنا خبر ان قام خمينيث دى سنسيروس كبير مفتشى محاكم التفتيش فى اسبانيا من حرق كتب العرب و المسلمين فى الأندلس فى محرقته التى حرق فيها 5000 كتاب و لم ينقذ منهم الا القانون فى الطب الذى ظل مرجع لمئات المئات من السنوات حتى القرن ال20 و كانت اوروبا تتعلم اللغة العربية فى اوقات مختلفة خصيصا لهذا الكتاب . فما بالنا لو استمرت جميع هذه الكتب التى احرقت الى اليوم ؟

Handwritten Arabic Manuscript of Canon Medicinae - BuAli Sina (Avicenna) Mausoleum - Hamadan - Western Iran (7423558016).jpg

ان حرق الكتب و المكتبات لهو شئ اخر البشرية كثيرا و جعلها تبدأ ابحاثها من الصفر احيانا . فحرق الكتب و رميها و اهمالها كما حدث فى مكتبة الأسكندرية و بيت الحكمة و كذلك ما حدث للكتب العربية و الأسلامية فى الأندلس لهو عبث و تدمير للعلوم .

ان بعض الكتب عاشت كما حدث فى مكتبة دار الحكمة الفاطمية و يقال انه كان بها مليون و 600 الف كتاب حسب بعض المصادر الا انه لم يتبقى منها الا القليل عند دخول صلاح الدين لأسباب ايضا تخريبية و ظلت على حالها الى ان نقلها الأتراك العثمانيون الى اسطنبول .

و نحزن عندما نقرأ فى التاريخ المعاصر ما كانت تفعله بعض البلاد كألمانيا النازية وقت واقعة هولوكوست الكتب فكانوا يرمون بالعلوم فى النار . فحتى لو احتوت على كتب اباحية كما كانوا يقولون فلماذا تم حرق الكتب العلمية و قصص الأطفال فكانوا يقولون انها تحتوي على أفكار “غير ألمانية” !

لابد لنا اليوم من نبذ هذه الصور … صور الدمار الذى لحق بكبرى المكتبات العظيمة عبر التاريخ و عدم اهمال الكتب و انقاذ ما نستطيع من الكتب القديمة و عدم اهماله و ضياعه …

فهناك الكثير من المبادرات لأنقاذ الكتب … فمثلا مدينة تمبكتو المالية التى كانت تحتوى على الالاف من المخطوطات و الكتب العربية فى سائر العلوم و التى حفظت بطريقة ادت الى اتلاف بعضها و حرق البعض الاخر هناك من يقوم على تقنيات تنقذ حتى ما تم حرقه جزئيا لعدم ضياع المعارف .

فلابد من الحفاظ على التراث الأنسانى و الكتب و تعليم الطلاب منذ الصغر على القراءة و حب القراءة فكل من رفع شأنه في هذه الدنيا اهتم بالعلم و العلماء و الكتب .

المصادر :
-(بيت الحكمة … كيف اسس العرب لحضارة الغرب) … جونثان ليونز
-حكمة الشرق و علومه : دراسة العربية فى انجلترا فى القرن ال17 الجزء الأول
-حضارة العرب …. لغوستاف لوبون
هولوكوست الكتب من DW
مكتبة الأسكندرية شبكة العين
انقاذ المحروق من مخطوطات تمبكتو
معلومات عن الأسطرلاب من برنامج خواطر لأحمد الشقيرى
-وكيبيديا

م. محمد صلاح يوسف

مهندس مدنى و مدون فى مجال التاريخ و مجال الفلك

اترك تعليقاً